تعد استراتيجيات بقاء الحيوانات في الشتاء من أبرز الأمور المذهلة التي تعكس ذكاء هذه الكائنات وإبداع الله في خلقها، إذ تلجأ إليها لحماية نفسها من الأذى الذي قد يصيبها عند الانخفاض الشديد في درجات الحرارة، وعند التغير الذي قد يحدث في بيئاتها.
تلجأ مختلف الكائنات الحية من بشر وحيوانات ونباتات إلى اتخاذ استراتيجيات بقاء فريدة وغريبة في بعض الأحيان، ففصل الشتاء يأتي حاملاً معه الثلوج والأمطار والبرد القارس، ليكون بذلك أحد أصعب التحديات التي تواجه هذه الكائنات خلال هذا الفصل.
سنتعرف معاً في هذا المقال على أبرز استراتيجيات البقاء التي تعتمدها الحيوانات خلال فصل الشتاء من تكيفات سلوكية وفسيولوجية طورتها الطبيعة على مر الأيام، بالإضافة إلى التأثير الذي تحدثه هذه الاستراتيجيات في النظام البيئي، تابع معنا.
استراتيجيات بقاء الحيوانات في الشتاء:
كما ذكرنا بدايةً أن الحيوانات على اختلاف أنواعها تتبع العديد من الاستراتيجيات والتكيفات التي تساعدها في الحفاظ على حياتها خلال أيام الشتاء الباردة لذلك سنذكر لكم أبرزها فيما يلي:
حيوانات تدخل في سبات شتوي:
يعد السبات الشتوي من أبرز التقنيات التي تعتمدها بعض الحيوانات البرية لتحافظ على بقائها خلال فصل الشتاء، حيث تنطوي هذه التقنية على الحد من استهلاك الطاقة اللازمة لأداء الأنشطة اليومية والحفاظ على درجة حرارة جسمها، من خلال تخفيض معدلات الأيض الذي يؤدي بدوره إلى انخفاض معدلات التنفس وتقليل ضربات القلب، فتعتمد في غذائها خلال هذه الفترة على الدهون التي خزنتها في الفصول الدافئة.
التجمد ثم العودة للحياة:
يعد التجمد ثم العودة إلى الحياة من أغرب استراتيجيات بقاء الحيوانات في الشتاء، وتعد الضفادع الخشبية من أبرز الأمثلة على ذلك، حيث تتجمد أجسادها بالكامل (بما في ذلك القلب والدم) خلال فصل الشتاء، ويعود سبب قدرتها في البقاء إلى احتواء دمائها على مواد كيميائية تحول دون تكوين البلورات الجليدية ضمن الخلايا.
التخزين المسبق للطعام:
تتجلى هذه الاستراتيجية في جمع وتخزين الطعام خلال الأيام الدافئة ليتم استخدامها عند ندرة توفر الموارد الغذائية خلال فصل الشتاء، فمثلاً تلجأ السناجب إلى جمع المكسرات والبذور ثم تخزينها ضمن أماكن محددة، بالإضافة إلى القنادس التي تقوم ببناء مخازن للغذاء تحت الماء من الأوراق والأغصان، الأمر الذي يقلل من حاجة هذه الكائنات إلى الخروج خلال الظروف المناخية القاسية للحصول على الطعام.
التكيف الجسدي:
يعد التكيف الجسدي من أبرز استراتيجيات بقاء الحيوان في الشتاء، كالدببة القطبية التي تتمتع بفراء كثيف وطبقة دهون كثيفة تحت الجلد تحميها من البرد، بالإضافة إلى الحيتان التي تحتوي أجسامها على طبقة دهون تحميها من التجمد، علاوة على أن الأطراف القصيرة والحجم الكبير يساعد في التقليل من فقدان الحرارة.
استراتيجيات مدهشة لدى الكائنات الدقيقة:
تمتلك الكائنات الدقيقة على الرغم من صغر حجمها مجموعة من التكيفات والاستراتيجيات التي تحافظ على بقائها في فصل الشتاء، سنذكر لكم أبرزها فيما يلي:
الدخول في حالة سبات مجهري:
السبات المجهري أو كما يُعرَف باسم النوم المجهر أو التخمر، هو استراتيجية تلجأ إليها الكائنات الدقيقة كالفطريات والطحالب والبكتيريا لتقلل من نشاطها الأيضي إلى أدنى حد، لتحافظ على بقائها في ظل الظروف المناخية القاسية كالتجمد والجفاف، وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تبدأ درجات الحرارة بالتحسن تعود لنشاطها الكامل وعملياتها الحيوية المختلفة.
إنتاج مضادات التجمد الطبيعية:
تمتلك بعض الكائنات الدقيقة القدرة على إنتاج مضادات تجمد طبيعية كأحد استراتيجيات البقاء على قيد الحياة، فبعض البكتيريات البحرية تفرز بروتينات مضادة بالتجمد تمنع تكوين البلورات الجليدية ضمن خلاياها، أي أنها تحمي الخلايا من حدوث أي ضرر خلال التجمد، لذلك نراها نشطة ضمن المياه القطبية والباردة.
التأثير البيئي لاستراتيجيات بقاء الحيوانات في الشتاء:
تؤثر استراتيجيات بقاء الحيوانات في الشتاء على البيئة والنظام البيئي، حيث سنشير إلى بعض هذه الاستراتيجيات وتأثير كل منها:
السبات الشتوي الذي تلجأ إليه الكثير من الحيوانات للحفاظ على بقائها في الشتاء كالدببة والسناجب، تساهم هذه الاستراتيجية في تخفيف الضغط على الموارد الغذائية القليلة في فصل الشتاء، إلا أنها أيضاً قد تؤثر على التفاعلات البيئية من خلال تراجع دور الحيوانات الحيوي ضمن النظام البيئي في هذه الفترة الزمنية.
استراتيجية التجمد ثم العودة إلى الحياة، هي طريقة مذهلة لتكيف الحيوانات مع الانخفاض الشديد في درجات الحرارة، إلا أن التجمد يحد من التفاعل البيئي لهذه الكائنات خلال مدة زمنية مؤقتة، لكن مع قدوم فصل الربيع تعود إلى الحياة وتساهم في التوازن البيئي.
استراتيجية تخزين الطعام مسبقاً تساعد بعض الحيوانات كالسناجب في الحفاظ على حياتها خلال فصل الشتاء، حيث يتجلى دورها البيئي في تحقيق توازن بين الطلب والعرض على المصادر الغذائية، وبالتالي حماية هذه المصادر من الاستنزاف خلال فصل الشتاء.
استراتيجية التكيف الجسدي التي تعتمدها بعض الحيوانات كالفقمات والدببة القطبية، والتي تتجلى في فرائها الكثيف وطبقات الدهون السميكة التي تقيها من البرد، تساهم في تحقيق التوازن ضمن السلسلة الغذائية، وتحد من تنافس الكائنات على الموارد المتاحة.
دروس من الطبيعة لبقاء الحيوانات:
تساهم دراسة استراتيجيات بقاء الحيوانات في الشتاء في إكساب البشر فهم أعمق لطرق التكيف مع الظروف المناخية القاسية واستخدامها في عدة مجالات، فمثلاً في مجال الهندسة والتكنولوجيا تساعد دراسة استراتيجيات التكيف الفسيولوجية التي تتبعها الحيوانات القطبية في تطوير أنظمة تبريد وتدفئة مستدامة، بالإضافة إلى استراتيجيات التبادل الحراري التي تتبعها هذه الحيوانات من الممكن استخدامها في صناعة أجهزة تحكم مناخي للمباني، الأمر الذي يؤدي إلى الحد من استهلاك الطاقة.
في هذا الإطار لا بد من أن نشير إلى أن هذه الاستراتيجيات قد تساعد في تطوير تقنيات خاصة بتطوير ملابس عازلة، وهذا ما اعتمدت عليه الكثير من الشركات الرائدة في تصميم الملابس الشتوية والرياضية، بالإضافة إلى إدخال مواد مقاومة للتجمد في صناعة النقل والطيران، بناء على ما تقوم به بعض الحيوانات في إنتاج مضادات تجمد طبيعية تقيها من البرد.
الأسئلة الشائعة
كيف يستطيع الحيوان أن يعيش في البرد القارس؟
يمكنها ذلك من خلال التكيفات الفسيولوجية التي تتمتع بها كاحتوائها على طبقة دهون سميكة تحت الجلد، بالإضافة إلى نمو طبقة كثيفة من الفراء تساعدها في حماية نفسها من البرد.
ما هي الطرق الباردة التي يتكيف بها الحيوان مع الشتاء؟
توجد طرق متنوعة أبرزها: السبات الشتوي، تخزين الطعام، تغيير الفراء، تجمعات جماعية، بالإضافة إلى إنتاج مضادات تجمد طبيعية وغيرها العديد.
ما هي الحيوانات التي تستطيع أن تعيش في الشتاء؟
توجد العديد من الحيوانات التي تمتلك القدرة على العيش في الشتاء أبرزها السناجب والغزلان والظربان والقنادس.
كيف تعيش الحيوانات في البرد؟
تعيش وتستمر هذه الحيوانات في الشتاء بفضل بعض التكيفات كآلية التمثيل الغذائي والفراء الكثيف وطبقات الدهون السميكة الموجودة تحت الجلد.
كيف ينظم الجسم درجة حرارته في الظروف الباردة؟
تنظم الحيوانات درجة حرارة أجسامها في الأيام الباردة باتباع عدة تكييفات جسدية وسلوكية وفيزيولوجية مثل: أنظمة التبادل الحراري الخاصة ببعض الحيوانات، السبات الشتوي، زيادة معدل الأيض وغيرها العديد من الطرق.
في الختام، تعد استراتيجيات بقاء الحيوانات في الشتاء من الأمور المذهلة التي تكشف لنا ميزات الابتكار والإبداع التي تمتلكها الطبيعة عندما يرتبط الأمر بالبقاء على قيد الحياة، لذلك وانطلاقاً من التقلبات المناخية المتسارعة علينا أن نحافظ على البيئة لندعم هذه الكائنات ونساعدها في مواجهة التحديات التي تتعرض لها، بالإضافة إلى الحفاظ على توازن النظام البيئي واستدامته، لذلك دعونا نقدر قيمة كل كائن حي وأهميته في النسيج البيئي.